الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
فأجاب: آثم فيما فعل. وأما النكاح فصحيح، ولا شيء على المرأة من ذلك؟
/ فأجاب: الحمد لله، إذا خطبها من يصلح لها فعلى أولاد سيدها أن يزوجوها، فإن امتنعوا من ذلك زوجها الحاكم، أو عصبة المعتق إن كان له عصبة غير أولاده؛ لكن من العلماء من يقدم الحاكم إذا عضل الولي الأقرب وهو مذهب الشافعي وأحمد في رواية. ومنهم من يقدم العصبة كأبي حنيفة في المشهور عنه، فإذا لم يكن له عصبة زوج الحاكم باتفاق العلماء، ولو امتنع العصبة كلهم زوج الحاكم بالاتفاق. وإذا أذن العصبة للحاكم جاز باتفاق العلماء.
/فأجاب: إذا زوجها القاضي بحكم أنه وليها، وكانت خلية من الموانع الشرعية، ولم يكن لها ولي أولى من الحاكم، صح النكاح. وإن ظن القاضي أنها عتيقة وكانت حرة الأصل، فهذا الظن لا يقدح في صحة النكاح. وهذا ظاهر على أصل الشافعي؛ فإن الزوج عنده لا يكون ولياً. وأما من يقول: إن المعتقة يكون زوجها المعتق وليها، والقاضي نائبه، فهنا إذا زوج الحاكم بهذه النيابة، ولم يكن قبولها من جهتها، ولكن من كونها حرة الأصل، فهذا فيه نظر. والله أعلم.
فأجاب: الحمد لله، أما من كان لها ولي من النسب، وهو العصبة من النسب أو الولاء: مثل أبيها، وجدها، وأخيها، وعمها، وابن أخيها، وابن عمها، وعم أبيها، وابن عم أبيها، وإن كانت معتقة فمعتقها، أو عصبة معتقها، فهذه يزوجها الولي بإذنها، والابن ولي عند الجمهور، ولا يفتقر ذلك إلى حاكم باتفاق العلماء. /وإذا كان النكاح بحضرة شاهدين من المسلمين صح النكاح. وإن لم يكن هناك أحد من الأئمة. ولو لم يكن الشاهدان معدلين عند القاضي ـ بأن كانا مستورين ـ صح النكاح إذا أعلنوه ولم يكتموه في ظاهر مذهب الأئمة الأربعة. ولو كان بحضرة فاسقين صح النكاح ـ أيضاً ـ عند أبي حنيفة، وأحمد في إحدى الروايتين. ولو لم يكن بحضرة شهود، بل زوجها وليها وشاع ذلك بين الناس صح النكاح في مذهب مالك، وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه. وهذا أظهر قولي العلماء، فإن المسلمين مازالوا يزوجون النساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم بالإشهاد، وليس في اشتراط الشهادة في النكاح حديث ثابت، لا في الصحاح، ولا في السنن، ولا في المساند. وأما من لا ولي لها، فإن كان في القرية أو الحلة نائب حاكم زوجها هو، وأمير الأعراب ورئيس القرية. وإذا كان فيهم إمام مطاع زوجها أيضاً بإذنها. والله أعلم.
فأجاب: لا ولاية له عليهم في النكاح، كما لا ولاية له عليهم في الميراث، فلا يزوج المسلم الكافرة، سواء كانت بنته أو غيرها، ولا يرث كافر مسلما، ولا مسلم كافرا. وهذا مذهب الأئمة الأربعة وأصحابهم من السلف والخلف، / لكن المسلم إذا كان مالكاً للأمة زوجها بحكم الملك، وكذلك إذا كان ولي أمر زواجها بحكم الولاية. وأما بالقرابة والعتاقة فلا يزوجها؛ إذ ليس في ذلك إلا خلاف شاذ عن بعض أصحاب مالك في النصراني يزوج ابنته، كما نقل عن بعض السلف أنه يرثها؛ وهما قولان شاذان. وقد اتفق المسلمون على أن الكافر لا يرث المسلم، ولا يتزوج الكافر المسلمة. والله ـ سبحانه ـ قد قطع الولاية في كتابه بين المؤمنين والكافرين، وأوجب البراءة بينهم من الطرفين، وأثبت الولاية بين المؤمنين، فقد قال تعالى:
فأجاب: متى فعل المحلوف عليه بنفسه أو وكيله حنث؛ لكن إذا كان الخاطب كفؤاً فله أن يزوجها الولي الأبعد، مثل ابنه، أو أبيه، أو أخيه، أو يزوجها الحاكم بإذنها ودون إذن المعتق؛ فإنه عاضل، ولا يحتاج إلى إذنه، ولا حنث عليه إذا زوجت على هذا الوجه.
فأجاب: ليس للحاكم أن يمنع المذكور أن يتوكل للولي فيعقد العقد على الوجه الشرعي، لكن من لا ولي لها لا تزوج إلا بإذن السلطان، وهو الحاكم. والله أعلم.
/ فأجاب: نعم يصح النكاح والحال هذه. و[العدالة] المشترطة في شاهدي النكاح إنما هي أن يكونا مستورين غير ظاهري الفسق، وإذا كانا في الباطن فاسقين، وذلك غير ظاهر، بل ظاهرهما الستر انعقد النكاح بهما في أصح قولي العلماء؛ في مذهب أحمد، والشافعي، وغيرهما؛ إذ لو اعتبر في شاهدي النكاح أن يكونا معدلين عند الحاكم، لما صح نكاح أكثر الناس إلا بذلك! وقد علم أن الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلى كانوا يعقدون الأنكحة بمحضر من بعضهم، وإن لم يكن الحاضرون معدلين عند أولى الأمر. ومن الفقهاء من قال: يشترط أن يكونا مبرزي العدالة؛ فهؤلاء شهود الحكام معدلون عندهم، وإن كان فيهم من هو فاسق في نفس الأمر. فعلى التقديرين ينعقد النكاح بشهادتهم وإن كانوا في الباطن فساقا. والله أعلم.
/ فأجاب: المرأة لا ينبغي لأحد أن يزوجها إلا بإذنها، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كرهت ذلك لم تجبر على النكاح، إلا الصغيرة البكر، فإن أباها يزوجها ولا إذن لها. وأما البالغ الثيب فلا يجوز تزويجها بغير إذنها، / لا للأب ولا لغيره بإجماع المسلمين، وكذلك البكر البالغ ليس لغير الأب والجد تزويجها بدون إذنها بإجماع المسلمين. فأما الأب والجد فينبغي لهما استئذانها. واختلف العلماء في استئذانها: هل هو واجب؟ أو مستحب؟ والصحيح أنه واجب. ويجب على ولي المرأة أن يتقي الله فيمن يزوجها به، وينظر في الزوج: هل هو كفؤ، أو غير كفؤ؟ فإنه إنما يزوجها لمصلحتها، لا لمصلحته، وليس له أن يزوجها بزوج ناقص؛ لغرض له؛ مثل أن يتزوج مولية ذلك الزوج بدلها، فيكون من جنس الشغار الذي نهي عنه النبي صلى الله عليه وسلم، أو يزوجها بأقوام يحالفهم على أغراض له فاسدة، أو يزوجها لرجل لمال يبذله له وقد خطبها من هو أصلح لها من ذلك الزوج، فيقدم الخاطب الذي بَرْطَلَه على الخاطب الكفؤ الذي لم يبرطله. وأصل ذلك: أن تصرف الولي في بضع وليته كتصرفه في مالها، فكما لا يتصرف في مالها إلا بما هو أصلح، كذلك لا يتصرف في بعضها إلا بما هو أصلح لها، إلا أن الأب له من التبسط في مال ولده ما ليس لغيره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك) بخلاف غير الأب.
فأجاب: الحمد لله، الإشهاد على إذنها ليس شرطا في صحة العقد عند جماهير العلماء، وإنما فيه خلاف شاذ في مذهب الشافعي وأحمد، فإن ذلك شرط. والمشهور في المذهبين ـ كقول الجمهور ـ أن ذلك لا يشترط. فلو قال الولي: أذنت لي في العقد، فعقد العقد، وشهد الشهود على العقد، ثم صدقته الزوجة على الإذن ـ كان النكاح ثابتا صحيحا باطنا وظاهرا، وإن أنكرت الإذن كان القول قولها مع يمينها، ولم يثبت النكاح. وداعوه الإذن عليها كما لو ادعي النكاح بعد موت الشهود ونحو ذلك. والذي ينبغي لشهود النكاح أن يشهدوا على إذن الزوجة قبل العقد، لوجوه ثلاثة: أحدها: أن ذلك عقد متفق على صحته، ومهما أمكن أن يكون العقد متفقا على صحته، فلا ينبغي أن يعدل عنه إلى ما فيه خلاف، وإن كان مرجوحا، إلا لمعارض راجح. الوجه الثاني: أن ذلك معونة على تحصيل مقصود العقد، وأمان من جحوده، لاسيما في مثل المكان والزمان الذي يكثر فيه جحد النساء وكذبهن، فإن ترك الإشهاد عليها كثيرا ما يفضي إلى خلاف ذلك. ثم إنه يفضي إلى أن تكون زوجة في الباطن، دون الظاهر. وفي ذلك مفاسد متعددة. /والوجه الثالث: أن الولي قد يكون كاذبا في دعوى الاستئذان، وأن يحتال بذلك على أن يشهد أنه قد زوجها، وأن يظن الجهال أن النكاح يصح بدون ذلك، إذا كان عند العامة أنها إذا زوجت عند الحاكم صارت زوجة. فيفضي إلى قهرها وجعلها زوجة بدون رضاها. وأما العاقد ـ الذي هو نائب الحاكم ـ إذا كان هو المزوج لها بطريق الولاية عليها، لا بطريق الوكالة للولي، فلا يزوجها حتى يعلم أنها قد أذنت. وذلك بخلاف ما إذا كان شاهداً على العقد. وإن زوجها الولي بدون إذنها فهو نكاح الفضولي. وهو موقوف على إذنها عند أبي حنيفة ومالك، وهو باطل مردود عند الشافعي، وأحمد في المشهور عنه.
فأجاب: إذا شهدوا أنها ما زوجت كانوا صادقين، ولم يكن في ذلك تلبيس على الزوج؛ لعلمه بالحال. وينبغي استنطاقها بالأدب؛ فإن العلماء متنازعون: هل إذنها إذا زالت بكارتها بالزنا: الصمت، أو: النطق. والأول مذهب الشافعي، وأحمد، كصاحبي أبي حنيفة. وعند أبي حنيفة ومالك: إذنها الصمات، كالتي لم تزل عذرتها.
/ فأجاب: هـذه يجـوز تزويجها بكفءٍ لها عنـد أكثر السـلف والفقهاء، وهـو مـذهب أبي حنيفـة وأحمد في ظاهـر مذهبـه، وغيرهما. وقـد دل على ذلك الكتاب والسـنة، كقـولـه تعالى:
|